موقع شباب السريان
أهلاً وسهلاً بكل زوار موقع شباب السريان

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع شباب السريان
أهلاً وسهلاً بكل زوار موقع شباب السريان
موقع شباب السريان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ذكريات غير منسية

اذهب الى الأسفل

ذكريات غير منسية Empty ذكريات غير منسية

مُساهمة من طرف مارتن كورش الثلاثاء 15 نوفمبر 2011, 8:17 pm

ذكريات غير منسية

الشيخ (إبراهيم داؤد إيليا) السوري الجنسية، رجل طاعن في السن، حمل على ظهر عمره مشوار التنقل من دولة وإلى أخرى إلى أن أستقر به المكان في مملكة السويد. مع حنين قوي يشده إلى الماضي، فتارة يأخذه الحنين إلى (تركيا) مسقط رأسه ومرتع صباه، وتارة أخرى يطير به الحنين بأجنحة من الشوق إلى موطنه (سورية) مرتع شبابه ومرابض رجولته، وتارة أخرى تراه يستعجله الحنين إلى (لبنان) مكان تجمع كل أفراد عائلته. شيخ مقعد يسير متنقلا بـ(Rolator) حتى وهو في البيت، شتان ما بين الأمس واليومن ففي الأمس كان شابا قويا سيرا بقدميه القويتين عابرا بها مسافات طويلة وكأنه يشارك في (مارثون) العمل عبر الحدودالحدود. واليوم شيخ مسٌ تراه معظم وقته جالس يراقب مشتهدة الفضائيات يترقب الاخبار من بلاد الشرق. لقد غزى الشيب شعر رأسه بحيث لم يترك ولو شعرة واحدة سوداء. أنه الوقار الذي صرنا نحن الذين بدأنا ندخل الشيخوخة بخطوات متثاقلة، نخشاه ونهرب من رؤية ولو شعرة بيضاء واحدة وهي تظهر بين شعرات رأسنا السوداء، فنهرع راكضين إلى محلات بيع أصباغ الشعر لنعود مسرعين إلى البيت ونهم بالصبغ! لنعود واقفين أمام المرآة ونحن نمشط شعر رأسنا مبتسمين وكأننا لازلنا شباب. أنها أكذوبة العصر نعملها ونصدقها. أما العم (إبراهيم) فلقد فضل أن لا يقف كل أيام حياته أمام المرآة طويلا، بسبب إنشغاله حتى في أيام شبابه، بالعمل. لم يكن عمله قريبا من بيته! بل كان كالورشة المتنقلة بين القرى وفي البادية، مختصا في العمل على الآلآت والادوات الزراعية (تراكتور، دراسة، شفل، حاصدة) لذلك كان عليه ترك بيته وأفراد عائلته لأيام أن لم يكن لأسابيع، ليعود محملا بـ(المصاري) كما يقول لسان حاله ذي اللهجة السورية الجميلة نطقا وكلاما وحوارا.

قبل أن أنقل سرد قصة هذا الشيخ الطيب، ليس لي إلا أن أذكر شخصين إثنين عزيزين على قلبه، ألا وهما إبنه (أيوب) وكنته (راحيل داؤد) الحنونة والمباركة والطيبة، لأنها تقوم بكل واجبها الإنساني تجاهه ولم تأخذه إلى دار رعاية المسنين في مدينة(Eskilstuna) الساكنين فيها، على الرغم من الخدمة والعناية التي تقدمه دور رعاية المسنين في مملكة السويد.

العم (إبراهيم) مقيم في مملكة السويد (متجنس) منذ تأريخ 02-09-1989.

من مواليد 05/01/1926 تركيا/ مدينة (ديران شهر) ضيعة (باش كوي).

ترمل بعد وفاة زوجته، لتنام على رجاء القيامة قبل عدة سنوات في مملكة السويد.

توفى قبل عدة أشهر إبنه الأصغر وهو متزوج، أثر مرض عضال، لينام على رجاء القيامة في العاصمة ستوكهولم.

قلت له ياريت لو تحكي للقراء عن مشوار حياتك. أكيد بين القراء من مستفيدين عديدين؟ فرح الرجل أطال الله في عمره، ودون مقدمات أخذ يسرد تأريخ حياته. ليحكي ساردا:

يوم تركنا ضيعتنا (باش كوي) مسافرين إلى (ماردين) ضيعة ( القصور كلي ورد) كان يومها عمري 16سنة. كان هذا في سنة 1942 كانت لازالت نيران الحرب العالمية الثانية يشتعل وطيسها. فهاجرنا إلى سورية ونزلنا في قرية (ديرباسية) عند القامشلي. سكنا تحديدا في محلة (سيكر).

سألته بلطف: يبدو أن التنقل كان من نصيبكم؟

أطلق حصرة طويلة وكأنه يزيح بكومة من العبرات التي تراكمت على مر السنين مستقرة فوق صدره الرحب، ليجيب قائلا:

في سنة 1971 هاجرنا إلى لبنان، كانت الحرب الاهلية مشتعلة في بيروت لذلك لم نمكث أكثر من أربعة سنين لنعود أدراجنا من حيث أتينا، إلى سورية. لكن أبني البكر(ألياس) لم يقتنع بالعودة، فطرق باب الهجرة البعيدة جدا، فوصل مملكة السويد ليحصل على طلب اللجوء في سنة 1975. وفي سنة 1986 لحق به أولادي وبناتي على التعاقب ليجتمع شملهم في مملكتي السويد وهولندا.

ماذا كانت مهنتك الأساسية في الوطن؟

أنا من عائلة فلاحية، أحببت الفلاحة وعملت على الآلات الزراعية التي كانت وقتها قد دخلت حديثا إلى دول الشرق، فكنت من الرعيل الاول الذي بادر مسرعا وتعلم العمل عليها. قبل ظهور المكائن الزراعية، كنا نحرث بالجرجر ونحصد بالمنجل.

كيف كان عملك في الفلاحة؟

أجابني قائلا:

عملت مع عشائر الشمَّر والإيزيدية ومع سكان القرى الحدودية السورية- العراقية، في مجال سياقة الآلات الزراعية وفي حرث الأراضي وفي الحصاد، متنقلا بكل حرية عبر الحدود. إضافة إلى مهنة الفلاحة، كنت أعمل في جلب المازوت من القرى العراقية الحدودية وأبيعها في سورية، كنت أربح الشيء القليل، لكنه كان بركة لعائلتي التي هاجرت تاركة عملها الزراعي في تركيا. بل كنت أعتبر ذلك العمل خدمة للعديد من العوائل الفقيرة وهي تجد المازوت لتتدفء من البرد في فصل الشتاء القارص البرودة.

قلت له أكيد تحن إلى أيام الشباب؟ لو عدت شابا بمقدرة الله، أين ستقضي شبابك؟

صمت لحظة وكأنه يقاوم دمعة تريد أن تقفز قفزا من بين جفنيه، وهو يمنعها، فأقبلت وعلى الفور كنته( راحيل) لتنشف له دمعته بالـ(كلينلا يوجد). أجابني قائلا بمثل: ( اللي عنده عنزة في أرض لبنان).

عرفت من المثل الذي ضربه لي بأنه يحن أكثر إلى لبنان.

كم ولد وبنت لديك يا عم (إبراهيم)؟

أجاب قائلا:

لديَّ أربعة أولاد وأربعة بنات كلهم متزوجين. وهم حاليا عائشين في مملكتي هولندا والسويد.

يا عم (إبراهيم) كم هو عمرك الأن؟

عمري اليوم قد تجاوز الـ (85) عاما.

وصحتك كيف هي، لأنني أراك جالس أكثر الأوقات وعربة الـ(Rolator) رابضة بجانبك. هل يا ترى تحولت كل تلكم المكائن الزراعية في شبابك إلى عربة في شيخوختك؟

قبل أن يجيب نظر إلى كنته(راحيل) ليقول:

لولاها لما كنت اليوم عائشا. أنها تهتم بي وكأنني طفل صغير. أنها بالنسبة لي أكثر من إبنة لي، أنها إمرأة مباركة وزوجة فاضلة لإبني (أيوب).

قلت له:

طابق فيها إسمها على أخلاقها وسلوكها وتعاملها وترحيبها وحسن ضيافتها. أنها (راحيل) إسم من أسماء بطلات الإيمان في الكتاب المقدس. ليس لي إلا أن أذكر من الكتاب المقدس من سفر التكوين29: 11 ( وَقَبَّلَ يَعْقُوبُ رَاحِيلَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَبَكَى.). قلت للعم (إبراهيم) بعد أن سمعت أحفاده ينادونه بـ(جدُّو). أتشرف سعيدا أن أناديك كما ينادوك. اذا أسمح لي أن أوثق لقائنا هذا بصورة تذكارية لك.

بقلم وكامرة/ المحامي والقاص

مارتن كورش

السويد/ مدينة- أسكلستونا

هذه صورة للعم ( إبراهيم داؤد إيليا).

مارتن كورش
معاون مدير
معاون مدير

نقاط تميز : 4631
تاريخ التسجيل : 24/09/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى